المؤسس والمدير العام
الدكتور زيد العيص

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينةِ رَجُلٌ يَسْعَى

تتحدث هذه الآية عن مُؤمن آل يس

0

تتحدث هذه الآية عن مُؤمن آل يس، الذي وصلته دعوة الأنبياء في عصره، فآمن وعزم على أنْ يسهم في نشر الدَّعوة، وفي هذه الآية من الدُّروس والعبر ما يقتضي التنبيه عليه؛ لعلَّه يُوقظ في الشباب المُسلم همَّ الدَّعوة، ويبعد عنهم آفة اللامبالاة.

دلَّت الآية على أنَّ الأنبياء أوصلوا دعوتهم إلى أقاصي المدينة، وأن هذا الرَّجل وصلته الدعوة وهو في الأقاصي، وهو ما يدل على عُلُوِّ همة هؤلاء الأنبياء، وقيامهم بالواجب المنوط بهم أحسن قيام، وهذا الرجل ذُكر بالتنكير، ولم يذكر القرآن الكريم اسمَه؛ لأن هذا ليس مهمًّا؛ لأن المهم تبليغ الدعوة عن طريق أي شخص مُؤهَّل؛ لأن المبتغي هو الرجل والغاية هي الله – تعالى – وكم من شخص يسهم في نشر هذا الدِّين من دون أن يعلم به أحد، وحسبه أن الله – تعالى – يعلم.

إن سياق الآيات يُوحي بأنَّ الرَّجل كان منافحًا عن الدُّعاة، وكان سندًا لهم حين قال لقومه: اتَّبعوا من لا يسألكم أجرًا، وهو تنبيه لطيف من الرَّجل إلى حسن نية هؤلاء الأنبياء، وخلوِّ دعوتهم من منافع شخصية، وهذه مسألة جديرة بالعناية من قِبَل النَّاس جميعًا، فإن دعاة اليوم بحاجة إلى وقوف الناس خلفهم؛ لدعمهم والدفاع عنهم أمام ما يثار حولهم من شبه؛ فلا ينبغي أن يقف عامَّة الناس موقفَ المتفرج من حملات التشويه التي يتعرض لها الدعاة.

لقد بذل الرجل جهدًا ملحوظًا حين جاء من أقصى المدينة يسعى، والسعي شدَّة المشي وسرعته، وهذا يعني أنه كان صاحب هِمَّة، وكان حريصًا على سرعة التبليغ، وهي إشارة جيِّدة إلى مسألة استثمار الوقت، وسرعة إنجاز الأعمال الصالحة.

إن في صنيع هذا الرجل دعوة صريحة إلى أن يتوجه الدُّعاة إلى أقاصي بلاد المسلمين؛ لحمل الدعوة إليهم.

وقد نبَّه الطاهر بن عاشور إلى أنَّ الآية تدُلُّ على أنَّ الأنبياء أوصلوا دعوتهم إلى أطراف المدن، وهو ما ينبغي أنْ يحرص عليه الدُّعاة؛ لأنَّ أهل القُرى والأرياف بحاجة ماسة إلى الدُّعاة، وهم في الغالب أكثر قَبولاً من غيرهم؛ بسبب صدق نيتهم، وصفاء نفوسهم، ويتوقع أن يخرج منهم دعاة ينفع الله بهم، كما أخرج الله هذا الرجل من أطراف المدينة، وجاء داعيًا إلى الله – تعالى – ويغلب على سكان الأطراف الإخلاص، وهي صفة إيجابية يحسن توظيفها.

أ.د. زيد بن عمر العيص

اترك ردّاً

لن يتم عرض بريدك الإلكتروني